الفلسفة و الأجتماع

عقيدة الصدمة : النهوض الجديد لرأسمالية الكوارث

عقيدة الصدمة

في “عقيدة الصدمة : النهوض الجديد لرأسمالية الكوارث”، تكشف الصحفية والكاتبة نعومي كلاين الطرق التي استغلتها الشركات الكبرى والحكومات للتغلب على الكوارث والأزمات، بغية تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية. هذا الكتاب ليس فقط دراسة حول الرأسمالية، بل هو نقد للطرق التي يتم استخدامها لتحقيق أجندات معينة على حساب الشعوب المتضررة. في هذا الملخص، سنتعمق في أبرز الأفكار التي تقدمها كلاين في كتابها، وكيف يمكن أن يغير هذا نظرتنا للعالم الاقتصادي الذي نعيش فيه.

هل تُحرك رأسمالية الكوارث العالم؟

في ظل الاضطرابات الاقتصادية والكوارث الطبيعية التي تصيب العالم، يبدو أن مفهوم “رأسمالية الكوارث”، الذي قدمته نعومي كلاين في كتابها “عقيدة الصدمة: النهوض الجديد لرأسمالية الكوارث”، أصبح أكثر صلة وأهمية من أي وقت مضى. وتتساءل الكاتبة، هل تُستغل الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية من قبل الشركات الكبرى والحكومات كأدوات لتحقيق أهدافها الاقتصادية؟
تتمثل أساسية فكرة رأسمالية الكوارث في استخدام الأزمات والكوارث، سواء الطبيعية أو البشرية، كفرص لفرض التغييرات الجذرية والإصلاحات الاقتصادية الحرة التي تعمل على تقويض النظام الاقتصادي والسياسي الحالي، وكثيرا ما يكون هذا على حساب الأشخاص الأكثر ضعفا في المجتمع.
توضح كلاين كيف يمكن للقادة الاقتصاديين والسياسيين استخدام حالة الصدمة التي تتبع الكوارث لإجراء التغييرات الجذرية. في حالة الكوارث، يصبح الناس في حالة من الصدمة والخوف، وهم أكثر عرضة لقبول التغييرات الراديكالية. هذا يمكن أن يؤدي إلى إجراءات تقشفية شديدة، التحرير الاقتصادي، والخصخصة على نطاق واسع – كل ذلك يمكن أن يسهم في تكريس الفجوات الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن كلاين تحذر أيضا من الأضرار الطويلة الأمد التي يمكن أن تلحق بالمجتمعات نتيجة لرأسمالية الكوارث. قد يتسبب هذا النوع من الرأسمالية في تقويض الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حيث تتم إزالة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية الأساسية في اسم الإصلاحات الاقتصادية. كما يمكن أن تؤدي الأزمات والكوارث إلى تعزيز الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإعادة توزيع الثروة إلى الأعلى.
بالإضافة إلى ذلك، تشير كلاين إلى أن رأسمالية الكوارث يمكن أن تشجع على الفساد السياسي والاقتصادي، حيث يمكن للشركات والحكومات استغلال الكوارث لتحقيق مكاسب شخصية على حساب العامة.
أخيرا، تدعو كلاين إلى الاعتراض على رأسمالية الكوارث والعمل من أجل بناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة. في رأيها، يجب على المجتمعات أن تحارب للحفاظ على حقوقها الديمقراطية والاجتماعية، وأن تسعى لبناء نظام اقتصادي وسياسي يعمل لصالح الجميع، وليس فقط للنخبة القليلة.
في النهاية، تعتبر “عقيدة الصدمة” أكثر من مجرد نقد للرأسمالية، بل هي دعوة للاستيقاظ والتحرك ضد الظلم الاقتصادي والاجتماعي.

إقرأ أيضا:إدارة المواهب: استراتيجيات فعالة للتوظيف والاحتفاظ

ميلتون فريدمان وجامعة شيكاغو: هل الكوارث هي فرص لإعادة تشكيل الاقتصاد؟

يقدم كتاب “عقيدة الصدمة” لنعومي كلاين نظرة جديدة وعميقة على كيفية تشكيل الاقتصاد والمجتمع في أعقاب الكوارث والأزمات. من بين العديد من الأفكار التي تقدمها كلاين، يعتبر تحليلها للفكر الاقتصادي لميلتون فريدمان وجامعة شيكاغو من الأكثر إثارة للاهتمام.
تأتي أفكار فريدمان من المدرسة النيوليبرالية للفكر الاقتصادي، التي تروج للحد الأدنى من التدخل الحكومي في الاقتصاد وتعتمد على القوى السوقية الحرة لتنظيم النشاط الاقتصادي. هذا النهج يؤدي في العديد من الأحيان إلى تقليل القيود على الأعمال التجارية، والتقليل من الخدمات الحكومية والرفاه الاجتماعي.
في “عقيدة الصدمة”، تناقش كلاين كيف يستخدم فريدمان وأتباعه في جامعة شيكاغو الكوارث – سواء كانت ناجمة عن الصراعات، الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الاقتصادية – كفرص لإعادة تشكيل الاقتصادات وفقا للمبادئ النيوليبرالية.
وفقاً لكلاين، فإن الفكرة الأساسية وراء “عقيدة الصدمة” هي أن الأزمات والكوارث تخلق حالة من الفوضى والارتباك التي يمكن أن تتيح الفرصة لإعادة تشكيل الاقتصادات والمجتمعات. في هذه الحالات، الناس أكثر استعداداً لقبول التغييرات الجذرية، وخاصة إذا كانت تأتي بوعد بالاستقرار والنمو.
تشدد كلاين على أن هذه النهج ليست فقط غير إنسانية، ولكنها أيضا تقود في النهاية إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وتحذر من أن الرأسمالية الحرة التي يدعو إليها فريدمان قد تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية.
لكن كلاين ليست فقط تقدم نقداً، بل تقدم أيضاً حلولاً. تشدد على ضرورة المشاركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتقدم رؤية لمستقبل حيث يمكن للناس أن يكونوا جزءاً من القرارات التي تؤثر في حياتهم وتكون الأزمات فرصة لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة.
في النهاية، يطرح كتاب “عقيدة الصدمة” سؤالاً بناءً على أفكار فريدمان: هل الكوارث هي فرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع حسب أيديولوجية السوق الحرة، أم أنها تكشف ببساطة عن القوى القاسية وغير العادلة التي تكمن تحت هذه الأيديولوجيا؟

إقرأ أيضا:التأثير: فن الإقناع وأسرار العقل البشري

هل الأزمات الاقتصادية تعمق فجوة الفقر والثراء؟

في كتابها المثير للجدل “عقيدة الصدمة: النهوض الجديد لرأسمالية الكوارث”، ترسم الكاتبة نعومي كلاين صورة مزعجة لكيفية توسيع الأزمات والكوارث الفجوة بين الأغنياء والفقراء. حيث تؤكد أن الأزمات الاقتصادية، سواء كانت ناجمة عن تقلبات السوق أو كوارث طبيعية، تستغل كفرص لتنفيذ إصلاحات سوق حرة جذرية تؤدي بالنهاية إلى تعميق الفجوة بين الأثرياء والمعدمين.
تقوم هذه الإصلاحات، في العديد من الحالات، بتقليل الحماية الاجتماعية والتقليل من النفقات العامة في الأمور الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. هذا يؤدي بشكل غير مباشر إلى توسيع الفجوة بين الفئات المختلفة، حيث يفقد الأقل ثراء الوصول إلى الخدمات الأساسية في حين يظل الأثرياء غير متأثرين، أو حتى قد يستفيدون من الإصلاحات.
من الناحية الأخرى، تقدم الكوارث والأزمات الفرصة لتنفيذ هذه الإصلاحات بسرعة وبشكل غير مسبوق، حيث يتم استغلال حالة الشوك التي ترافق هذه الأحداث. الشعور بالخوف والعجز يمكن أن يساهم في تقبل الجمهور للإصلاحات التي قد تكون لا يتم النظر فيها في ظروف أخرى.
وفي النهاية، تحث كلاين على الضرورة الملحة للتغيير، للقيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية الهادفة إلى تقليل الفجوة بين الأثرياء والمعدمين، والعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية. تشدد على أن التغيير الحقيقي يأتي من القاعدة، وأن المجتمعات التي تواجه هذه التحديات يجب أن تصبح مشاركة أكثر في عملية صنع القرار.
الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء ليست مشكلة جديدة، ولكن كلاين في “عقيدة الصدمة ” تقدم رؤية مثيرة للقلق بشأن كيف يمكن للكوارث والأزمات تسريع هذا الانقسام. هذه الأزمات تخلق ظروفاً مثالية لتنفيذ إصلاحات السوق الحرة التي تعمق الفجوة بين الأثرياء والفقراء، بينما الأزمات والكوارث تترك الفقراء أكثر ضعفاً واستعداداً للقبول بالتغييرات.
لكن الرسالة الأساسية في “عقيدة الصدمة” هي واحدة من الأمل والتغيير الممكن. بالرغم من الأفكار المثيرة للقلق، تقدم كلاين رؤية لمستقبل حيث يتم تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحيث تعمل الأزمات والكوارث كحافز للتغيير الإيجابي بدلاً من تعميق الفجوات الاقتصادية.
في النهاية، يعد “عقيدة الصدمة” ليس فقط نقداً للنظام الرأسمالي ولكنه أيضاً دعوة للأفراد والمجتمعات للتأمل في العالم الذي نعيش فيه وكيف يمكننا تحسينه. هل الأزمات الاقتصادية تعمق فعلاً فجوة الفقر والثراء؟ وما هو الدور الذي يمكن لنا أن نلعبه في تحقيق عالم أكثر عدلاً؟

إقرأ أيضا:فقط اصمت وافعلها: خطوات بسيطة لتحقيق أهدافك

صفحة خلاصة كتاب علي الفيس بوك

هل الكوارث فرص لإعادة البناء أم أدوات للتحكم؟

تستكشف نعومي كلاين في كتابها “عقيدة الصدمة” الطريقة التي يمكن فيها استغلال الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية للترويج للإصلاحات الاقتصادية الجذرية. تستخدم كلاين مصطلح “رأسمالية الكوارث” لوصف هذه الظاهرة، وتقدم العديد من الأمثلة التاريخية لتوضيح نقاطها.
أحد هذه الأمثلة هو تشيلي تحت بينوشيه. بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي، قامت حكومة بينوشيه بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الجذرية المستوحاة من الفكر الاقتصادي لميلتون فريدمان وجامعة شيكاغو.
أمثلة أخرى تشمل الغزو الأمريكي للعراق، حيث تم تفكيك الدولة وإعادة بنائها وفقا للمبادئ النيوليبرالية، والاستجابة لإعصار كاترينا في نيو أورلينز، حيث تم استغلال الدمار لتقديم خصخصة الخدمات العامة.
كلاين في “عقيدة الصدمة ” تشدد على أن هذه الأمثلة ليست محدودة بزمن أو مكان محدد، بل تظهر في العديد من الأماكن حول العالم وعلى مر العقود. تحذر كلاين من أن “رأسمالية الكوارث” قد تؤدي إلى تعميق الفجوات الاقتصادية والاجتماعية وقد تنتهك حقوق الإنسان.
ومع ذلك، يوفر الكتاب أيضا رؤية لمستقبل محتمل حيث يتم استخدام الأزمات كحافز للتغيير الإيجابي والعدالة الاجتماعية، بدلاً من الاستغلال الاقتصادي. ففي بعض الأحيان، تكون الأزمات المحرك الحقيقي للإصلاح، ولكن ليس بالطريقة التي كان يتخيلها فريدمان. في حين أن فريدمان يرى الأزمات كفرص لإعادة البناء وفقاً للمبادئ الرأسمالية، يقترح كلاين أنها يمكن أن تكون فرصة لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة.
كلاين تحثنا على أن نعتبر الكوارث والأزمات فرصة لإعادة التفكير في أولوياتنا ونظامنا الاقتصادي. وفي الوقت الذي نعيش فيه زمن الكوارث المناخية والأزمات الاقتصادية العالمية، يبدو أن هذه الرسالة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
الكتاب يناشد القراء للتفكير بعمق حول القوى التي تقف وراء الأزمات التي نواجهها والطرق التي يمكننا من خلالها أن نبني عالماً أكثر عدلاً واستدامة. في هذا السياق، يطرح سؤالاً أساسياً: “هل الكوارث الحقيقية هي الأحداث الكارثية نفسها، أم الرغبة في استغلالها؟”

الفلسفة و الأجتماع – مكتبة خلاصة كتاب (khkitab.com)

هل يمكننا الاستجابة للكوارث بطرق أكثر عدالة وإنسانية؟

في كتابها “عقيدة الصدمة”، تتحدث نعومي كلاين عن ما يمكن اعتباره أحد أكثر الاستراتيجيات الاقتصادية الحديثة ذكاءً وخبثًا، وهي “رأسمالية الكوارث”. تبين كيف يتم استخدام الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية والاقتصادية كوسيلة لفرض الإصلاحات الاقتصادية الجذرية وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولكن، بدلاً من السماح للكتاب بأن ينتهي في نبرة من اليأس، تدعو كلاين إلى التحرك والاعتراض على هذا النهج.
تحث كلاين في “عقيدة الصدمة ” على التفكير الجماعي والعمل الجماعي من أجل القيام بإصلاحات جذرية. تشير إلى أن الديمقراطية، وليس الأوتوكراطية، هي الطريقة المثلى لإدارة الأزمات والكوارث.
تحث كلاين على التركيز على المساواة والعدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن هذه الأزمات يمكن أن تكون فرصًا لبناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة. في النهاية، تطالب كلاين القراء بأخذ الزمام والعمل من أجل تغيير جذري.
تقدم كلاين في “عقيدة الصدمة ” رؤية تحتاج إلى تحقيق الديمقراطية الحقيقية، حيث يكون الناس قادرين على الرفض وتوجيه مسار حياتهم ومجتمعاتهم. وهذا يشمل العمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الرعاية الصحية والتعليم للجميع، والحفاظ على البيئة.
تشدد كلاين على أن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تعني أن الجميع لديهم صوت في القرارات التي تؤثر على حياتهم، وأن القوة يجب أن تكون موزعة بشكل متساوٍ. لذا، فإن الرد الملائم على الكوارث والأزمات يتطلب مشاركة جميع المواطنين في عملية صنع القرار. وهذا يعني أننا يجب أن نحارب الفساد والتمييز، ونعمل من أجل حكومة شفافة ومسؤولة.
تكمن أهمية العمل الجماعي في التعاون، حيث يعمل الجميع معًا من أجل تحقيق هدف مشترك. تحث كلاين على ضرورة الاعتراف بأن الأزمات والكوارث لا يمكن التعامل معها بشكل فردي، وأنه يجب علينا أن نعمل معًا كمجتمع للتعامل مع هذه التحديات.
بالإضافة إلى ذلك، تناقش كلاين أهمية التعليم والثقافة في بناء مجتمعات أكثر تكافؤًا ومساواة. تقترح أن الثقافة والتعليم يمكن أن يكونان أدوات قوية للتغيير، خاصة فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية.
في ختام الكتاب، تقترح كلاين أن القيم الديمقراطية والعمل الجماعي يمكن أن يكونان الأساس الذي يمكن أن يحقق عالمًا أكثر عدالة وإنسانية. بعبارة أخرى، تقول إنه من الضروري أن نناضل من أجل حقوقنا كمواطنين وأن نعمل من أجل بناء مجتمعات تقوم على العدل والمساواة.

هل الصدمة النفسية والتعذيب أدوات للتحكم الاقتصادي؟

يستعرض كتاب نعومي كلاين “عقيدة الصدمة” الارتباط المحتمل بين العنف البدني والعقلي، مثل التعذيب والصدمة النفسية، والتغيرات الاقتصادية المفاجئة التي تصيب الأمم. يقترح كلاين أن الحالات العنيفة والمضطربة، سواءً كانت ناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية أو الحروب، يمكن أن تستغل لفرض الإصلاحات الاقتصادية الجذرية.
في السياق السياسي، يُستخدم التعذيب والصدمة النفسية كأدوات لتقويض الإرادة الجماعية وتحويل المجتمعات. هذا التعذيب يمكن أن يكون بدنياً أو عقلياً وغالبًا ما يكون مرتبطاً بحالات الاستبداد السياسي أو الأزمات الحربية.
على الجانب الآخر من المعادلة، تشير كلاين في “عقيدة الصدمة ” إلى “صدمة الاقتصاد”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف الأزمات المالية والاقتصادية المفاجئة والحادة. هذه الصدمات الاقتصادية، سواء كانت ناجمة عن الأزمات المالية أو الكوارث الطبيعية، يمكن أن تكون فرصة للحكومات والمؤسسات الكبرى لتقديم وفرض سياسات اقتصادية جديدة وجذرية، مثل الخصخصة وتقليل الإنفاق الحكومي وتحرير الأسواق.
هنا، ترى كلاين رابطًا: العنف البدني والعقلي، مثل التعذيب والصدمة النفسية، يمكن أن يعمل على خلق حالة من الارتباك والخوف، التي تضعف القدرة الجماعية على المقاومة وتثير الرغبة في التغيير، بينما “صدمة الاقتصاد” يمكن أن تستغل هذه الفترة من الارتباك لتحقيق التغييرات الجذرية في السياسات الاقتصادية.
في هذا السياق، يمكن رؤية كيف يمكن أن تكون الصدمات النفسية والتعذيب جزءًا من استراتيجية أوسع لفرض الإصلاحات الاقتصادية. الشلل النفسي والعاطفي الناتج عن العنف يمكن أن يخلق بيئة مناسبة للتغيير، بينما يمكن استغلال الأزمات الاقتصادية كفرصة لفرض هذه التغييرات بسرعة.
بالرغم من أن العديد من النقاد قد انتقدوا النظرية التي تقدمها كلاين، إلا أنها تطرح تساؤلات هامة حول العلاقة بين العنف، الأزمات، والتحول الاقتصادي. تقديم الأفكار الاقتصادية الجديدة وفرضها في أوقات الكوارث أو الاضطرابات السياسية، يمكن أن يكون مؤشرًا على استغلال الحالة العامة من الارتباك والخوف.
من الواضح أن الأزمات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، تخلق ظروفاً يمكن أن تسمح بالتغييرات السريعة والجذرية. ولكن، ما الذي يحدث عندما يتم استغلال هذه الظروف من أجل التغييرات التي قد لا تكون في المصلحة العامة؟ يطرح كتاب “عقيدة الصدمة” هذا السؤال الهام، ويدعو القراء إلى النظر بعمق في القوى العالمية التي تشكل اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.

هل الأزمات محرك قوي للتحولات الاقتصادية الجذرية؟

يبحث كتاب نعومي كلاين “عقيدة الصدمة” في الفكرة التي تقول إن الأزمات، سواء كانت طبيعية أو سياسية أو اقتصادية، يمكن أن تكون قوى تحفيزية للتغيير الاقتصادي الجذري. تتجلى هذه القوى في ما يعرف بـ”صدمة الاقتصاد”، وهي الظروف التي تسمح للإصلاحات الاقتصادية السريعة والجذرية.
وفقًا لكلاين في “عقيدة الصدمة “، فإن الأزمات تولد الصدمة والخوف، وهما عاملان يزيدان من القبول العام للتغيير. هذا التغيير قد يشمل الخصخصة، التحرير الاقتصادي، وتقليص الدعم الحكومي للخدمات الأساسية. وعندما تصبح الدول والمجتمعات ضحايا للصدمة، سواء بسبب الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية أو الاقتصادية، تصبح الفرصة مواتية للقوى التي تسعى إلى تحقيق التغييرات الاقتصادية الجذرية.
لم تكتف كلاين بإطلاق النظريات فقط، بل قدمت أيضًا أدلة تاريخية وأمثلة على كيف تم استغلال الأزمات لتحقيق التحولات الاقتصادية. تناولت كلاين عددًا من الأمثلة، بدءًا من تجارب التحول الاقتصادي الجذري في تشيلي والأرجنتين في فترة السبعينيات والثمانينيات، وصولاً إلى الحرب في العراق والكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا في الولايات المتحدة.
في جميع هذه الحالات، يظهر كيف تم استغلال الصدمة والخوف لتقديم وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الجذرية. بمجرد وجود هذه الصدمة، أصبح من الصعب للأفراد والمجتمعات المعارضة التفكير بوضوح أو التنظيم بشكل فعال ضد التغييرات السريعة.
المشهد الذي يرسمه كلاين في “عقيدة الصدمة” هو واحد من الخوف والارتباك، حيث يتم توجيه الأفراد والمجتمعات تحت الضغط نحو القبول بالتغييرات الاقتصادية الجذرية. هذه الفكرة تدعونا إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يتم بها فرض وتقديم الإصلاحات الاقتصادية وتقييم الدور الذي يلعبه الخوف والصدمة في تحقيق التغيير.
من المهم أيضًا أن نفكر في العواقب الطويلة الأمد لهذه التغييرات. يتوجب علينا السؤال: هل هذه التغييرات تخدم حقا مصلحة الجمهور، أو هل هي مجرد أدوات لتحقيق الأجندات الاقتصادية للنخبة السياسية والمالية؟
في النهاية، يقدم “عقيدة الصدمة” لنعومي كلاين رؤية قوية ومزعجة للطريقة التي يمكن بها استغلال الأزمات لتحقيق التحولات الاقتصادية الجذرية. ويطرح تساؤلات ملحة حول الطريقة التي نتعامل بها مع الأزمات والتغيير الاقتصادي في مجتمعنا العالمي.

هل التغير المناخي يغذي رأسمالية الكوارث؟

في “عقيدة الصدمة”، تستكشف الكاتبة والناشطة نعومي كلاين مفهوم “رأسمالية الكوارث”، وهو الفكرة التي تقول إن الأزمات، سواء كانت ناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الأحداث السياسية الهائلة، تستغل للدفع نحو إصلاحات اقتصادية جذرية. وفي السياق الحالي للتغير المناخي، فإن كلاين تشير إلى كيفية استغلال هذه الأزمة البيئية لتعزيز الأجندات الاقتصادية الحرة السوق.
التغير المناخي هو أزمة عالمية وجوهرية تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا، من الزراعة والماء إلى الطاقة والنقل. ولكن بدلاً من أن يُنظر إليها على أنها دعوة للتحرك وإعادة التفكير في الطريقة التي ندير بها اقتصاداتنا ومجتمعاتنا، فإن كلاين تقدم الدليل على أنها تستغل في كثير من الأحيان للدفع نحو الخصخصة والتجريف.
تشير كلاين في “عقيدة الصدمة ” إلى أن الكوارث الطبيعية التي يتم تفاقمها بسبب التغير المناخي، مثل العواصف القوية والفيضانات، تُستخدم كأدوات لتنفيذ الأجندات الاقتصادية الحرة. يُمكن أن يؤدي الضرر والدمار الذي تسببه هذه الأزمات إلى خلق فرصة للقوى الاقتصادية لدخول الأسواق الجديدة، وبيع الخدمات والبنى التحتية، وتقليص الخدمات العامة.
وبهذه الطريقة، تصبح الأزمات البيئية والتغير المناخي محركات لمزيد من الاستغلال الاقتصادي. هذه الأزمات البيئية العالمية تعزز ما تسميه كلاين بـ “رأسمالية الكوارث”، حيث يتم استغلال الأزمات للدفع بتحقيق الأرباح على حساب البيئة والأشخاص الأكثر تأثراً بالتغيرات البيئية.
بالإضافة إلى ذلك، تقترح كلاين أن النهج الرأسمالي للتعامل مع الأزمات البيئية – مثل تجارة الانبعاثات والتكنولوجيا الخضراء – قد يقدم حلولاً غير كافية أو حتى تضليلية. هذه الأنظمة قد تؤدي إلى تعزيز الأجندات الاقتصادية للشركات والأثرياء، في حين يتم تجاهل أو تقليل شأن المتضررين الأكثر ضعفاً من الأزمة البيئية.
تتوجه كلاين في “عقيدة الصدمة” بنداء لأن نتعامل مع التغير المناخي والأزمات البيئية الأخرى بأساليب تعترف بالعدالة الاجتماعية والبيئية، وليس فقط الربح الاقتصادي. هذا يتطلب النظر إلى ما وراء الأجندات الاقتصادية الحالية واعتبار تأثيرات التغير المناخي على الأشخاص والكواكب.
في النهاية، يجب علينا أن نتساءل إذا كان الاستجابة للتغير المناخي والأزمات البيئية الأخرى يجب أن تكون مدفوعة بالرغبة في الربح، أو إذا كان يجب أن يكون هناك تأثير أكبر للعدالة الاجتماعية والبيئية. “عقيدة الصدمة” لنعومي كلاين تدعونا للاعتراف بأن الخيارات التي نجريها اليوم ستشكل مستقبل الأجيال القادمة، وتحدد من سيحمل أعباء التغييرات البيئية القادمة.

كيف يمكن أن تضر رأسمالية الكوارث بالديمقراطية؟

تعتبر الأزمات الكبرى، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو بيئية، لحظات حاسمة تفتح الباب للتغييرات الكبيرة. ومع ذلك، في “عقيدة الصدمة”، تشير نعومي كلاين إلى أن هذه التغييرات ليست دائمًا في مصلحة الجمهور. بدلاً من ذلك، تقدم نظرية “رأسمالية الكوارث”، حيث يتم استغلال الأزمات كوسيلة لدفع التغييرات الاقتصادية والسياسية التي تعود بالنفع على الأغنياء والأقوياء، في حين تترك الكثير من الناس العاديين وراءها.
على سبيل المثال، تشير كلاين إلى أن الأزمات الكبرى، مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية، غالبا ما تؤدي إلى انتهاكات للحقوق الديمقراطية. تحت غطاء الفوضى والرعب، يمكن للحكومات والشركات الكبيرة تنفيذ القوانين والتغييرات التي قد تقلل من الحقوق العمالية، وتقوض الخدمات العامة، وتزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
تقودنا كلاين في “عقيدة الصدمة” في رحلة من خلال العديد من الأمثلة التاريخية، بدءًا من التدابير الصارمة التي تم اتخاذها في تشيلي بعد الانقلاب العسكري في عام 1973، وصولاً إلى خصخصة الخدمات في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003. في كل من هذه الحالات، استغلت القوى الاقتصادية والسياسية الأزمات لدفع التغييرات التي خدمت مصالحها، في حين تركت الكثير من الناس العاديين وراءها.
لكن “عقيدة الصدمة” ليست فقط كتابًا عن الظلم، بل هو أيضًا دعوة للعمل. تشير كلاين إلى أن الأزمات، بقدر ما يمكن أن تكون فرص للاستغلال، يمكن أيضًا أن تكون فرص للتغيير الإيجابي. تقول إنه من خلال التنظيم والاحتجاج والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، يمكن للناس العاديين أن يستعيدوا القوة من “رأسمالية الكوارث” ويضعوا الديمقراطية في خدمة الجميع، وليس فقط الأغنياء والأقوياء.

هل الوسائل الإعلامية تلعب دوراً في تعزيز رأسمالية الكوارث؟

في “عقيدة الصدمة”، تقدم نعومي كلاين بعض النقاط المثيرة للتفكير حول دور الوسائل الإعلامية في تسهيل الإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي ترافق الكوارث والأزمات. تقول أن الوسائل الإعلامية، بالإضافة إلى الحكومات والشركات، يمكن أن تكون أدوات قوية في تعزيز رأسمالية الكوارث.
تشير كلاين في “عقيدة الصدمة” إلى أن الوسائل الإعلامية غالباً ما تلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام خلال الأزمات، وتسهل الطريق للإصلاحات الاقتصادية الجذرية. يمكن للوسائل الإعلامية أن تشكل القصص حول الأزمات بطرق تجعل الرأي العام يقبل بسهولة الحلول الجذرية، وتحقق أجندات سياسية أو اقتصادية.
على سبيل المثال، تشير كلاين إلى كيف تستخدم الوسائل الإعلامية عادة اللغة المستعارة من الحروب والمعارك لوصف الأزمات الاقتصادية، مما يخلق أجواء من الخوف والتوتر، ويجعل الجمهور يقبل الحلول الجذرية والصارمة.
ومع ذلك، تحذر كلاين أيضاً من أن هذا الدور للوسائل الإعلامية قد يقود إلى تقويض الديمقراطية، حيث تؤدي هذه الطرق الرائجة للتغطية إلى تقليل التفكير النقدي والنقاش العام، وتعزز الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
في النهاية، تدعو كلاين إلى نقد ثقافي وإعلامي أعمق. تشدد على أهمية التفكير النقدي، والتوعية العامة، والنقاش الجاد حول الأزمات والكوارث، والبحث عن حلول تكون في مصلحة الجميع، وليس فقط الأغنياء والأقوياء.

    السابق
    استشعر الخوف واقدم على ما تخاف: الرحلة نحو التغلب على الخوف وتحقيق النجاح
    التالي
    كتاب التربية البسيطة: الرؤية الجديدة لتربية الأطفال في زمن الفوضى والتعقيد