دولة الموحدين

المهدي محمد بن تومرت وكيف أسس دولة الموحدين

محمد بن تومرت
محمد بن تومرت

يعتبر محمد بن تومرت واحدًا من الشخصيات البارزة في التاريخ المغربي والإسلامي، وهو المؤسس الرئيسي لدولة الموحدين في القرن الثاني عشر الميلادي. ولد محمد بن تومرت في الجزائر، وتعلم في مراكش وفاس قبل أن يبدأ في نشر تعاليمه والدعوة إلى الإصلاح الديني والسياسي.

قاد محمد بن تومرت حركة اجتماعية ودينية قوية تهدف إلى توحيد المسلمين وإقامة دولة إسلامية قوية في المغرب. استخدم تومرت الجهاد كأداة لتحقيق أهدافه، وتمكن من تجميع جيوش من المؤمنين المتحمسين الذين شاركوا في معارك عديدة.

تمكنت حركة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت من تحقيق انتصارات مهمة، وتأسست دولة الموحدين التي امتدت من المغرب إلى شمال إفريقيا. أسس تومرت العاصمة الموحدية في مراكش ونجح في تنظيم الإدارة وتطبيق القوانين الإسلامية.

في ختام هذه المقدمة، يمكن القول إن محمد بن تومرت كان شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي والمغربي، وعمل على توحيد المسلمين وبناء دولة إسلامية قوية في المنطقة. ساهمت دولة الموحدين في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي في المغرب وشمال إفريقيا بشكل جذري.

محمد بن تومرت: طفولة مليئة بالعلم والشغف

منذ صغره، كان محمد بن تومرت يتمتع بشغف لا يضاهى للعلم والمعرفة. بدأت رحلته التعليمية حين التحق بالكتاب، كما كانت العادة بين أهل المغرب في تلك الفترة. لكنه لم يكتفِ بحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية فحسب، بل ذهب أبعد من ذلك.

إقرأ أيضا:طرق الحرير: مفتاح لفهم التاريخ العالمي

منذ صغره، أظهر محمد اهتمامًا بالفقه والعلوم الشرعية، ورغم صغر سنه، كان يسعى لاستيعاب المزيد والمزيد من المعرفة. لقد كان لديه شغف لا يُضاهى وحب للعلم يتجاوز ما يُعلمه لفترة الطفولة المبكرة.

لم يكن محمد بن تومرت مجرد طفل يتعلم العلم بصورة عابرة، بل كان ينغمس في دراسة المفاهيم العقدية العميقة ويتساءل عن الحقائق الأساسية للدين والفلسفة. رغم صعوبة المسار العلمي، كان محمد يواصل استكشاف العلوم المختلفة والتمسك بالمعرفة كوقود لشغفه.

بهذه الطريقة، ترسخت روح الباحث العلمي في محمد بن تومرت منذ صغره، وهذا ما أعدَّه ليصبح واحدًا من أبرز المفكرين والقادة في تاريخ المغرب والإسلام. إنها قصة طفولة مشوقة ومثيرة، حيث تجتمع فيها الشغف بالعلم والمعرفة مع روح الاستكشاف والتساؤل العميق.

رحلة استكشاف العلم والمعرفة: محمد بن تومرت في محطات تعليمه

بعد انتظار حتى بلوغه السابعة والعشرين من عمره، قرر محمد بن تومرت الانطلاق في رحلة بحثه عن العلم. كان عام 500 هـ هو بداية رحلته المثيرة. اتجه أولاً إلى بلاد الأندلس، وتحديدًا إلى قرطبة، حيث تعلم تحت إشراف القاضي أبي جعفر حمدين. لكنه لم يقم بالإقامة الطويلة في تلك البلاد، فقد قرر الانتقال إلى بلاد المشرق.

إقرأ أيضا:وقعة الجمل – مواجهة مسلحة أولي بين المسلمين

باشر محمد بن تومرت رحلته الثانية عبر البحر إلى تونس، وتحديدًا إلى المهدية، حيث استفاد من تعليم العالم أبي عبد الله المارزي. لكنه لم يكتفِ بالتوقف هنا، بل قرر المضي في رحلته إلى محطة أخرى. انتقل إلى مصر، حيث تلقى العلم عن يد أبو بكر الطرطوشي. ومع ذلك، كان شوقه وشغفه بأداء فريضة الحج لا يحتمل التأجيل، وقد توجه فعلاً إلى مكة حيث أدى فريضة الحج.

من ثم، واصل رحلته إلى العراق، الذي كانت محطته الأساسية في سعيه للحصول على المعرفة. كان العراق موطنًا للعلماء من جميع المذاهب والطرق. درس محمد بن تومرت أصول الفقه وعلم الكلام وعقائد الاعتزال والأشاعرة تحت إشراف كبار العلماء مثل الإمام الغزالي والمبارك بن عبد الجبار وأبو بكر الشاشي. هذه الفترة في العراق شكلت أهم جزء من شخصيته العلمية وساهمت في تشكيل مساره المستقبلي كمفكر وقائد

وكانت رحلة محمد بن تومرت إلى العراق تجربة مثيرة ومفعمة بالإلهام، حيث تفاعل مع الأفكار والآراء المختلفة وتعلم من تنوع العلماء المتميزين في هذا البلد العريق. كان يقوم بالنقاشات العقيدية والفلسفية العميقة مع العلماء والطلاب، مما أثر على تطور تفكيره ونضجه الفكري.

بعد أن استوعب ثروة العلم والمعرفة في العراق، عاد محمد بن تومرت إلى المغرب، حاملاً معه هموم تجديد الخطاب الديني والسياسي وإصلاح المجتمع. تحت قيادته وتأثير تجاربه العلمية، نشأت حركة الموحدين، التي تهدف إلى توحيد الأمة المسلمة وتحقيق الإصلاح الديني والسياسي.

إقرأ أيضا:أحجار على رقعة الشطرنج: كشف المؤامرات العالمية

في الختام، يمكن القول إن رحلة محمد بن تومرت في طلب العلم شكلت ركيزة أساسية في بناء شخصيته ومسيرته القيادية. كانت رحلة مليئة بالاهتمام والشغف والاستكشاف، حيث استفاد من تجارب العلماء والمفكرين البارزين في بلاد الأندلس وتونس ومصر والعراق. هذه الرحلة ساهمت في تشكيل رؤيته الفكرية وقوة إرادته في تحقيق التغيير والإصلاح في المجتمع، وهو ما جعله مؤسسًا لدولة الموحدين المزدهرة.

رحلة عودة محمد بن تومرت: توجه إلى المغرب لإصلاح الفساد

بعد قضاءه حوالي ثمانية أعوام في العراق، قرر محمد بن تومرت العودة إلى بلاده. في عام 510 هـ، بدأت رحلة عودته من مكة، حيث قرر أداء فريضة الحج. ومع ذلك، لم يكن عودته مجرد عودة عادية. فشخصية بن تومرت تغيرت تمامًا في هذه الرحلة.

قرر محمد بن تومرت أن ينتقل إلى طرق جديدة لنصح وتذكير الناس بالمعروف وتحثهم على اجتناب المنكر. استخدم الكلام والألفاظ المناسبة للتوجيه والتحذير، ولكنه أيضًا لجأ إلى الإجراءات اليدوية عدة مرات. ومع ذلك، لم تعجب هذه الطريقة أهل مكة، فقد قاموا بطرده من المدينة.

من مكة، انتقل محمد بن تومرت إلى مصر واستقر في الإسكندرية. استمر في توجيه الناس بالمعروف ومنعهم عن المنكر حتى طرده أهل مصر من المدينة. بعد ذلك، قرر الانتقال بحرًا إلى طرابلس وأسس مسجدًا ليعلم الناس عقيدة الأشعرية، ومواصلة جهوده في توجيههم نحو الخير ومنعهم عن الشر. ثم انتقل إلى المهدية، حيث أنشأ مسجدًا ليعلم الناس أصول الفقه، واستمر في استخدام نفس الأسلوب القوي في الكلام. كاد أن يُقضى عليه في تلك المدينة لولا نصيحة الأقرباء بمغادرتها.

من المهدية، توجه محمد بن تومرت إلى مدينة بجاية، حيث استقر وأنشأ مسجدًا ليعلم الناس. وفي قرية ملالة بالقرب من بجاية.

استقر محمد بن تومرت في بجاية واستمر في البقاء هناك لفترة طويلة، حيث أسس مسجدًا ليُعلم الناس وينشر المعرفة. في هذه الفترة، تقابل محمد بن تومرت عبد المؤمن بن علي، الذي كان في طريقه إلى المشرق لطلب العلم. استوقف بن تومرت عبد المؤمن وأقنعه بالعودة معه إلى المغرب لمساعدته في إصلاح الفساد الذي يعم البلاد.

وبالفعل، تحدَّث محمد بن تومرت إلى عبد المؤمن بشكل مقنع وشجَّعه على الانضمام إلى حملته الإصلاحية. تأثر عبد المؤمن بشخصية بن تومرت وحماسه وقرر أن يلتحق به في مسعاهما المشترك لإقامة دولة موحدة تقوم على المبادئ الدينية ومكافحة الفساد.

بهذا، تكتمل رحلة محمد بن تومرت من بدايتها في العراق حتى وصوله إلى بجاية ولقاء عبد المؤمن. كانت رحلة مفعمة بالتحديات والتجارب العلمية والفكرية، وقد تركت بصمة كبيرة في شخصية محمد بن تومرت وأثَّرت في رؤيته ومسيرته القيادية.

دخول محمد بن تومرت إلى مراكش: رحلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وصل محمد بن تومرت إلى مدينة مراكش، عاصمة دولة المرابطين، ودخل المدينة بزي الزاهد كما كانت عادته. لكنه لم يكتفِ بالاستقرار في المدينة، بل خرج إلى السوق مصحوبًا بمجموعة من أصدقائه ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. في تلك الرحلة، واجه محمد بن تومرت تحديات عديدة.

في أحد المواقف، قابل محمد بن تومرت ابنة أمير المسلمين ووجد وجهها مكشوفًا، فوبخها بسبب انتهاكها للحجاب، ولكنها اشتكته إلى الأمير. كما دخل في صلاة الجمعة في مسجد علي بن يوسف، ووجد الأمير والوزراء يجلسون والناس حولهم واقفون. فاستيقظ غضبه وعاب عليهم هذا التصرف، وقال للأمير: “الخلافة لله وليس لك يا علي بن يوسف”.

هذه الأحداث تجسدت كجزء من رحلة محمد بن تومرت في مراكش، حيث قام بتوجيه النصائح والتوبيخات للأفراد والمسؤولين لتحقيق الإصلاح والعدل في المجتمع. كانت رحلته مليئة بالشجاعة والتحديات، وتعكس قوته وإصراره على تحقيق رؤيته لإقامة دولة عادلة ودينية في المغرب.

اللقاء مع الأمير والمقام في مقابر ابن حيدروس

استدعاه الأمير، وعندما حان اللقاء، ظهر محمد بن تومرت بثوب الشيخ الزاهد في الدنيا، يرغب في إصلاح الناس بلا أي منفعة دنيوية لنفسه. كان أسلوبه مؤثرًا لدرجة أن عيني ابن يوسف كادت تدمع. لكن ليطمئن ابن يوسف، أمر بعقد مناظرة بينه وبين فقهاء الدولة.

كانت هذه المناظرة فرصة عظيمة لمحمد بن تومرت ودعاية مجانية له. استطاع أن يبرهن فيها أنه على علم كبير وقادر على إظهار ضعف علم فقهاء الدولة. ومع ذلك، اقتنع القاضي الفقيه مالك بن وهيب الأندلسي تمامًا بأن محمد بن تومرت طالب دنيا وليس أخره كما ادعي. أشار إلى الأمير بقتله، ولكن الوزير ينتجان بن عمر نجح في إقناع الأمير بعدم اتخاذ هذا القرار.

مع ذلك، قرر بن وهيب أن يحتجز محمد بن تومرت في السجن لحماية أمير المسلمين من شره. ولكن في النهاية، قرر أمير المسلمين الاكتفاء بطرده خارج المدينة.

خرج محمد بن تومرت من مراكش، لكنه لم يبتعد كثيرًا، حيث نصب خيمته في مقابر ابن حيدروس بالقرب من المدينة. كان اختياره مثيرًا للذكاء من عدة جوانب. أولًا، ليؤكد لأمير المسلمين أنه ليس طالب دنيا وأنه يختار أن يعيش بين الأموات في المقابر. ثانيًا، ليكون قريبًا من أي فضولي يسمع عنه، فيأتي ليسمع منه وبذلك الطريقة يزداد عدد أتباعه. وثالثًا، اختيار مكان هادئ في المقابر يسمح له بأن يتجمع مع أتباعه بسهولة ويجتمعون في جو من السكينة والتأمل.

وهكذا، استقر محمد بن تومرت في مقابر ابن حيدروس بالقرب من مراكش، وأصبحت تلك المكان مقرًا له ولمتابعيه. اجتمعوا هناك بانتظام للتبادل في النقاشات الفكرية والتعلم من خبرات بن تومرت. كان يستمر في توجيههم نحو الخير والإصلاح، ويعزز عددهم ومشاركتهم في رسالته الإصلاحية.

هكذا، تكتمل رحلة محمد بن تومرت بعد مغادرته مراكش، حيث اختار أن يستقر في مقابر ابن حيدروس واستمر في نشاطه وتأثيره على الناس. تجسدت قوة شخصيته وإرادته في تحقيق الإصلاح وتوجيه الناس نحو الخير، وكانت هذه الفترة من السكون والتأمل في المقابر بمثابة نقطة تحول في مسيرته وجذبت المزيد من المؤمنين والمتابعين إليه.

العودة إلى قبيلته ودعوة المجتمعات المجاورة

بعدما شعر محمد بن تومرت أن أمره قد ينكشف في المقبرة، قرر مغادرتها والعودة إلى مسقط رأسه للحماية والاحتماء في قبيلته المصمودة. وفي عام 515 هـ، عندما وصل إلى بلاد السوس، اختار مسجدًا ليُعلِّم الناس ويجتمع مع القبائل المحلية. وبعد مرور فترة، نجح في جمع العديد من الأشخاص حول دعوته.

عندما استقرت أموره في قبيلته، قرر محمد بن تومرت نشر دعوته في القبائل المجاورة. لتحقيق هذا الهدف، اختار مجموعة من تلاميذه وأرسلهم إلى القبائل، ونصحهم باتباع أسلوب اللين، حيث يعرف تمامًا أن العنف لن يكون مجدًا مع أهل القبائل. في هذه الفترة، كان محمد بن تومرت يستعد لأن يكون زمان ظهور المهدي، وأن الفساد قد انتشر في أرجاء دولة المرابطين. وأعلن نفسه فيما بعد أنه المهدي المنتظر.

وبالفعل، توالت مبايعات أتباعه بسرعة وانضمامهم إلى صفوفه. أعلن المهدية عام 518 هـ، ثم قرر الانتقال إلى تيمنل في وسط جبال الأطلس، وذلك لأنها تقع قرب نفوس دولة المرابطين. نظم محمد بن تومرت جبهته الداخلية، حيث أقام أربعة مجالس، مجلس العشرة الذي يضم أتباعه المقربين، ومجلس الخمسين الذي يجمع بين أتباعه وشيوخ القبائل الرئيسية، ومجلس السبعين الذي يجمع أتباعه وشيوخ القبائل العامة. هذه المجالس كانت تهدف إلى تنظيم القوة والتعاون بين الأعضاء والقبائل، وضمان تواصل الرسالة والدعوة بين الأنصار.

في تيمنل، بدأت الحملة المهدوية تتوسع وتكتسب شعبية كبيرة. اجتمع الأتباع والأنصار في هذه الجبال، وتشكلت أفواج المبايعين بسرعة. وتنامت قاعدة دعمه وتأييده في صفوف الناس، الذين شعروا بالأمل والإصلاح الذي سيحققه المهدي المنتظر.

تكتمل هكذا رحلة محمد بن تومرت من العودة إلى قبيلته ونشر دعوته في القبائل المجاورة، إلى تأسيسه للمهدية في تيمنل وجمع أنصاره حوله. كانت هذه المرحلة مفصلية في تحقيق رؤية محمد بن تومرت لإصلاح المغرب وقيادة الأمة إلى الخلاص والعدالة.

انتصارات بن تومرت وكشف المنافقين

بعد أن انتشر سيط بن تومرت في جميع أنحاء المغرب، قرر أمير دولة المرابطين، ابن يوسف، إرسال جيش بقيادة وزيره ينتان للتصدي لهذه الفتنة. ولكن ينتان كان جبانًا وعاد بالجيش دون أي قتال. تتابعت محاولات الحملات العسكرية للتصدي لبن تومرت، ولكنها انتهت جميعها بالهزيمة والفشل. تم إرسال جيش بقيادة أبي إسحاق إبراهيم وتعرض للهزيمة، ثم جيش بقيادة سير بن مزلي وأيضًا هُزِم. وكل هذه الهزائم لدولة المرابطين قوَّت من مكانة بن تومرت وثباته بين أتباعه.

زادت ثقة بن تومرت بنفسه، فقرر إرسال رسالة تهديد إلى ابن يوسف، يهدده فيها بالدخول في طاعته أو المواجهة. وبالفعل، أرسل حملات كثيرة لمدن المرابطين المجاورة، وانتهت جميعها بالنجاح. قرر أن يقوم بغزو عاصمة دولة المرابطين، مراكش، ولكنه قبل ذلك قرر التخلص من المنافقين داخل صفوفه.

كان لبن تومرت صديق مقرب يُدعى الونشريسي، وقد قابله في الماضي بصحبة عبد المؤمن بن علي. تواصل محمد بن تومرت مع الونشريسي وتفقدا على أن يظهر كأنه مجنون يسيل لعابه دائمًا. وبالفعل، ظل الونشريسي يتظاهر بالجنون حتى عام 519 هـ، حتى يتسنى له أن يكون بين العامة ويكتسب فهمًا عميقًا لأفكارهم وأفكار بن تومرت. وبهذه الطريقة، استطاع الونشريسي أن يكون على اتصال بالجماهير ويعرف أفكارهم وما يختفي في أعماقهم بخصوص بن تومرت.

وفي أحد الأيام من عام 519 هـ، قال بن تومرت لأتباعه أن الله قد أرسل إليه معجزة، وأشار إلى الونشريسي قائلاً “الله علمه الكلام”، بهدف إظهار قدراته العجيبة ومعجزته. فعلاً، أظهر الونشريسي علمه وقدراته وقال إن الله قد أخبره بالمنافقين الذين يتظاهرون بالولاء في العامة. وأمر بن تومرت بقتلهم.

من بين الخدع التي قام بها بن تومرت، تعاون مع بعض أصحابه للاختباء داخل بئر مهجور وجمع الناس حولها. ثم تحدث مع البئر ورد على من يتحدث من داخلها، وهكذا أثبتوا أنه هو المهدي المنتظر. وبعدما تفرق الناس، أمر أصحابه المقربين بإغلاق البئر على الذين في داخلها، ليتأكدوا من صدق الإيمان والولاء له.

هكذا، استطاع محمد بن تومرت أن يحقق انتصاراته ويكشف المنافقين، وتعزز مكانته وسط أتباعه. كانت هذه الفترة من الذكاء والتخطيط الدقيق، حيث استخدم الحيل والاستراتيجيات لتحقيق أهدافه وتعزيز رسالته في الإصلاح والقيادة.

معركة مراكش: المرابطين ضد الموحدين في القرن الخامس الهجري

في العام 521 هجريًا، اجتمع جيش مكون من أربعين ألف مقاتل بقيادة الونشريسي، واتجهوا نحو مراكش. أثناء طريقهم، تمكنوا من القضاء على عدد كبير من حصون المرابطين قبل أن يصلوا إلى أسوار مراكش، حيث قاموا بحصار المدينة لمدة أربعين يوماً.

على الرغم من المحاولات المتكررة من قبل المرابطين بقيادة أمير المسلمين، علي بن يوسف، لكسر الحصار عبر عدة معارك، لم تنجح تلك المحاولات. استغاث الأمير بجميع المدن طالباً المساعدة.

بعد أربعين يومًا من الحصار، تقدم القائد الأندلسي، عبد الله بن همشك، وقدم مقترحه لأمير المسلمين. كان يعرف جيدًا القادة الأندلسيين الذين كانوا من المصامدين، وطلب ثلاثمائة من أفضل المقاتلين. قدم له بن يوسف ما طلب، وتحضر للمعركة، مطالبًا المقاتلين بتعديل أسلحتهم لتصبح أقصر.

بن همشك نجح في كسر الحصار، وأعقب ذلك وصول جيوش من جميع المدن لمساعدة العاصمة. لقي العديد من الموحدين حتفهم في المعركة، ومن أول من سقط كان الونشريسي. تبعه في قيادة الجيش عبد المؤمن بن علي، الذي نجح في الهروب مع 400 رجل وعاد إلى بن تومرت.

سقوط مهدي الموحدين ابن تومرت وتولي عبد المؤمن بن علي القيادة

بعد الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها الموحدين، بدأت الشكوك تتراكم حول مدعي المهدوية، ابن تومرت. كيف يمكن لمن يدعي الدعم الإلهي أن يخسر؟ لذا لجأ إلى استراتيجية جديدة: اتفق مع بعض أتباعه على الاختباء في مقابر القتلى، وجمع جمهورًا كبيرًا، وتحدث مباشرة إلى المقابر، طالبًا من “الشهداء” التأكيد على مدعاه بأنه المهدي. تجاوب أتباعه من داخل القبور، مؤكدين أنهم شهدوا أشياء لا يمكن للعين أن ترى أو للأذن أن تسمع، مؤكدين بذلك مدعاه. ولمنع أتباعه من الخروج والكشف عن خدعته بعد تفريق الجمهور، سد مداخل الهواء حتى لا يخرجوا.

بعد هزيمته في المعركة، أصيب ابن تومرت بانهيار نفسي شديد، وتعرض للمرض، مما أدى إلى وفاته في السنة 524 هجريًا. قبل وفاته، جمع أقرب أتباعه وأوصى لهم باتباع عبد المؤمن بن علي بعده، معتقدًا أن هذا سيحقق لهم النصر.

بعد وفاة ابن تومرت، تولى عبد المؤمن بن علي القيادة، مواصلاً الرسالة التي بدأها ابن تومرت. رغم الهزائم السابقة، لم يفقد عبد المؤمن الأمل أو الإصرار على مواصلة الجهاد ضد المرابطين. بقوة شخصيته وقدراته القيادية، كان قادراً على إعادة تنظيم القوات الموحدية وتحفيزهم على استعادة العزيمة والقوة.

خلال السنوات القادمة، واجه عبد المؤمن العديد من التحديات والمعارك، ولكنه ظل يتقدم ويكتسب الدعم والثقة من أتباعه. أسهمت القيادة الحكيمة والاستراتيجيات العسكرية الناجحة في تحقيق العديد من النجاحات والانتصارات للموحدين، الأمر الذي أدى إلى تعزيز نفوذهم وسط الأمم الإسلامية في ذلك الوقت.

بالرغم من الصعوبات والتحديات، استمر عبد المؤمن في القيادة بحزم وشجاعة حتى النهاية، ملتزماً بالأفكار والمبادئ التي نادى بها ابن تومرت. تركت هذه الفترة أثرًا عميقًا في تاريخ المغرب الإسلامي، وظلت أحداثها حية في أذهان الناس ومحفوظة في السجلات التاريخية.

أقرا أيضا معاوية بن أبي سفيان , مؤسس الدولة الاموية

لمشاهدة الحلقه علي اليوتيوب

    السابق
    شيخ الجبل الحسن الصباح ,مؤسس طائفة الحشاشين
    التالي
    عبدالمؤمن بن علي الكومي , مؤسس دولة الموحدين

    تعليق واحد

    أضف تعليقا

    1. التنبيهات : عبدالمؤمن بن علي الكومي , مؤسس دولة الموحدين - خلاصة كتاب

    اترك تعليقاً