أنت تعيش في وهم. ليس الوهم الذي يجعلك تتظاهر بأنك شخص آخر، بل ذلك الوهم الذي يجعلك، دون وعي منك، تسمح للآخرين بتحديد هويتك. في كتاب “اهتم بذاتك: تجديد حياتك من الداخل للخارج” للدكتور فيل ماكجرو، الرسالة واضحة وصريحة: معظمنا عالقون في حياة فرضت علينا، من المجتمع، العائلة، الأصدقاء، وحتى الغرباء. الدكتور فيل يقدم دعوة قوية: حان الوقت لتواجه نفسك بصدق وتكتشف من أنت حقاً، وليس ما يريده الآخرون منك أن تكون.
الكتاب يرتكز على مفهوم استعادة “الذات الحقيقية”. يرى الدكتور فيل أنه في مكان ما على طول الطريق، فقدت التواصل مع ذاتك الأصلية، ومع قيمك الحقيقية، ومع ما يجلب لك السعادة الحقيقية. ليس هذا خطؤك بالكامل، فالمجتمع مصمم ليشدك في جميع الاتجاهات، وكل واحد يحدد لك كيف يجب أن تعيش وما يجب أن تسعى إليه. المشكلة هي أنك إذا استمريت في السير وفقاً لتوقعات الآخرين، ستجد نفسك عالقاً في حياة لا تمت لجوهر رغباتك الحقيقية بصلة، والنتيجة هي شعور بالفراغ.
لكن المفاجأة الكبرى هي أنك ربما لا تدرك حتى أنك عالق. نحن نميل إلى إيهام أنفسنا بأننا نعيش حياتنا بناءً على قراراتنا الخاصة، ولكن الحقيقة التي يطرحها الدكتور فيل هي: كم من حياتك حقًا ملكك؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه مرارًا وتكرارًا. هو لا يسعى إلى جعلك تشعر بالراحة، بل يريدك أن تعيد التفكير في كل شيء. من خلال تمارين مثل “ملف الذات الحقيقية”، لا يكتفي الدكتور فيل بدعوتك إلى التحكم في حياتك، بل يمنحك الأدوات العملية لفعل ذلك.
وفي منتصف الكتاب، قد تشعر ببعض الانزعاج من مواجهة هذه الحقائق. قد تتساءل هل يستحق الأمر كل هذا الجهد؟ الكتاب يجعلك تواجه جوانب من نفسك التي كنت تتجاهلها لفترة طويلة، وقد تجد نفسك مضطراً للاعتراف ببعض الحقائق غير المريحة. وهنا يأتي الانقلاب المفاجئ: إذا كنت لا تعيش حياتك بصدق مع ذاتك الحقيقية، فأنت في الواقع تضيعها. وهذا ليس مجرد تحذير، بل حقيقة واقعية. الدكتور فيل يوضح كيف أن العيش بعيدًا عن الذات الحقيقية قد يقودك إلى حالة مستمرة من عدم الرضا والقلق وحتى الاكتئاب.
ولكن الدكتور فيل لا يتركك مع المشكلة دون حل. يقدم لك طريقًا للخروج من هذا المأزق، عبر إعادة بناء حياتك من الداخل إلى الخارج. إنه يدعوك إلى التخلص من تأثيرات الآخرين، وتحديد ما الذي تريده أنت فعلاً، وما الذي يؤثر في سعادتك الحقيقية. وهذا يتطلب شجاعة. ربما تجد أن عملك ليس كما كنت تعتقد، أو أن علاقاتك ليست صحية كما كنت تتمنى.
لكن إذا استطعت مواجهة هذه الحقائق والمضي قدمًا، ستجد مكافأة في النهاية. ستخرج بخطة لحياة أصيلة، متحررة من ضغوط المجتمع. ليست المسألة في أن تكون مثاليًا أو أن تتجاهل آراء الآخرين بالكامل، بل أن تصل إلى حالة من الاتساق الداخلي، حيث تعكس قراراتك وجوهرك الحقيقي. والنتيجة؟ حياة مليئة بالسلام والرضا، حيث تعيش وفقاً لذاتك الحقيقية. وهذا، بلا شك، هو المعنى الحقيقي للحرية.