عبد المؤمن الكومي – الموحدين – الجزء الثاني

الموحدين

تمرّ الحضارات بمراحلٍ مختلفة من الفتوحات والحروب، ومن بين الشخصيات التاريخية الأبرز التي ساهمت في تغيير مسار تاريخ المغرب والأندلس، نجد عبد المؤمن بن علي الكومي، مؤسس دولة الموحدين. وفي هذه الحلقة سنستكمل حديثنا عنه وعن حروبه ونجاحاته التي أدت إلى سيطرته على المغرب الأقصى والأندلس، بجانب كشف بعض الأسرار التي جعلته زعيمًا فريدًا في تاريخ المنطقة.

سيطرة الموحدين علي المغرب الأقصى

في إطار سلسلة الفتوحات، شهدت سنة 528 هـ فتح مدينة “تارودانت” في بلاد السوس، واستطاع الموحدون قتل القائد المرابطي “إبراهيم بن يوسف”. وفي سنة 532 هـ تم السيطرة على مدينة “زناتة” بعد صراع طويل، ولكن المعارك لم تتوقف هنا، ففي العام التالي تمكن عبد المؤمن بن علي الكومي وجيشه من هزيمة القائد المرابطي “تاشفين بن علي” في مدينة “منانة”، وتم توسيع نطاق السيطرة الموحدية بسيطرتهم على مدينة “متونة” في 534 هـ، وكانت هذه الفتوحات نتيجة للاستراتيجية الفريدة التي اعتمدتها دولة الموحدين في حرب العصابات والنفس الطويل.

ولكن المعركة الأهم حدثت في سنة 539 هـ حيث تمكن عبد المؤمن بن علي الكومي من القضاء على القادة المرابطين الكبار الروبرتير وتاشفين، والتي أدت إلى فتح مدن المرابطين الأخرى مثل تلمسان ووهران وفاس ومراكش. وبهذه الطريقة تم إسقاط دولة المرابطين في المغرب الأقصى .

توسع الموحدين في الأندلس


الطموح هو محرك التوسع والتقدم، ولم يكتفِ الكومي بالتحكم في المغرب الأقصى، فكانت رؤيته أبعد من ذلك، إذ كان يسعى لتوسيع دولته لتشمل مناطق أوسع مثل الأندلس والمغرب الأدنى والأوسط. في العام 545 هـ، حققت دولة الموحدين نجاحاً كبيراً بالسيطرة على معظم مدن بلاد الأندلس، ومن بينها: قادش، اشبيلية، قرطبة، ملَقة، الجزيرة، لبلة، شلب، شريش، ومرتلة. وعلى الرغم من صمود أسوار مدينة ألميريا، فإن الدولة تمكنت في النهاية من السيطرة عليها بالكامل في العام 552 هـ. ولاحقاً، تم الاستيلاء على مدن أخرى مثل بطليوس، باجة، يابرة، وحصن القصر في العام 555 هـ.

التوسع في فتوحات الموحدين وسيطرتهم على مناطق المغرب الأدنى والأوسط

كانت المناطق الواقعة في المغرب الأدنى والأوسط تشهد في تلك الفترة فوضىً وفسادًا، وذلك بفعل العرب من بني سليم وبني هلال، بالإضافة إلى بعض القبائل النورماندية التي استقرت في تلك المناطق. وعندما وصلت هذه الأخبار إلى الكومي، قرر البدء في حملات عسكرية مميزة، تستهدف تحقيق السيطرة على تلك المناطق.

بدأت الفتوحات تتوالى بسرعةٍ هائلة، حيث انطلقت من بجاية وتبعتها فتح الجزائر والقلعة وقسنطينة والمهجية وقابس وبني قفصة وطبرقة وجبل زغوان وشقنبارية والأربس وطرابلس الغرب، وغيرها من دول الجريد. وبفضل هذه الحملات العسكرية الشيقة، أصبحت شمال إفريقيا كلها تحت سيطرة دولة الموحدين، وتمتد من طرابلس الغربية شرقًا إلى السوس الأقصى غربًا.

لا شك أن هذا الحدث كان فريدًا في تاريخ المغرب الإسلامي، فقد ابتكر الكومي استراتيجيات مميزة ومتميزة، أتاحت له الفوز بالحرب وتحقيق الانتصارات المذهلة، والتي لا يزال اسمه يلمع في سماء التاريخ حتى يومنا هذا .

سياسة الكومي مع اليهود و النصار


عبد المؤمن الكومي كان يتبع سياسة محددة في معاملته لليهود والنصارى، عندما استولى على مراكش، أتبع كلام ابن تومرت وعرض عليهم الانضمام للإسلام أو القتال معه أو القتل على الفور. وعلى الرغم من أن بعضهم أسلم، إلا أن الآخرين اختاروا الانضمام إلى الحرب , و قام بهدم كنائسهم ، وألغى الجزية في كل مدن دولته.

سياسة الكومي في ضبط الدولة وتحقيق التنمية في المغرب الإسلامي

كان الكومي مهتمًا بإبقاء رعيته على دين الإسلام فقط والمذهب المالكي، وقام ببناء مساجد عديدة ومدارس لتعليم العلوم والآداب، وكان حريصًا على ربط أماكن العلم بالخدمة العسكرية والتدريب على فنون الحرب للحفاظ على الموحدين.

كما بنى الكومي مدرسة لتخريج رجال السياسة وموظفي الحكومة وقادة الجيش، وكان يناديهم يوم الجمعة لقصره ويسألهم عن تطوراتهم ومهاراتهم العسكرية. واعتمد الكومي اللغة العربية كلغة علم وإدارة، وكانت مراسيم دولته تصدر باللغة الأمازيغية أيضًا.

في إطار سياسته لضبط الدولة، قام الكومي بإجراء مسح لجميع أراضي الدولة واستخراج تفاصيل عن كل ولاية وولي، وخبأ السلاح في مخازن مخصصة له وأنشأ مصانع كثيرة، وألغى نظام الطبقات.

كان الكومي حريصًا على ملاطفة العرب وأخذهم في صفه لمحاربة اليهود والنصارى ودخول الأندلس .

محاولة الانقلاب عليه من قبيلة ابن تومرت

في عام 549 هجريًا، شهدت مدينة مراكش محاولة ثورية قام بها “عيسى وعبد العزيز”، أخوة بن تومرت، بسبب إلغاء نظام الطبقات وإقرار الحكم الوراثي من قبل بن الكومي. ولكن بفضل المخلصين من أنصار عبد المؤمن وأهالي مراكش، تم إفشال المؤامرة بنجاح. وبينما كان عبد المؤمن بعيدًا عن المدينة في سلا، تم القبض على المنقلبين و عددهم 300، وجميعهم تم إعدامهم، بما في ذلك أخوة بن تومرت.

وبعد هذه الحادثة، لم يكن عبد المؤمن راضيًا بمجرد إخماد الثورة، بل أراد التأكد من عدم تكرارها مرة أخرى. لذا، قرر الإرسال لقبيلته الكومية لتولي حراسة المدينة، وتأمين الاستقرار فيها. ولم تتأخر القبيلة في الاستجابة لدعوته، حيث حضرت إلى مراكش وتم تكليفها بحراسته الخاصة.

وفاة الكومي

بعد أن تمكن عبد المؤمن من إنشاء دولة الموحدين في المغرب الأوسط والأدنى، بدأ يخطط لأكبر مشروع عسكري في تاريخه، وهو غزو الأندلس بجيش لم يسبق له مثيل، للقضاء على الممالك والأمارات الإسبانية وكل من تمرد على دولته. وقام ببناء 200 قطعة بحرية جديدة لتضاف إلى أسطوله الضخم. وخرج بن الكومي من مراكش في جموع الموحدين في عام 558 هجريًا، حتى وصل إلى رباط الفتح في مدينة سلا، وبلغ عدد الجيش 100 ألف رجل و100 ألف فارس. وتم الاتفاق في مجلس الحرب على تقسيم الجيش إلى أربعة أقسام، وكان الخطة كالتالي :

  • الاول : يتجه ألي مدينة قلمرية عاصمة البرتغال
  • الثاني : الي فرناد ودي ليون
  • الثالث : الي الفونسو الثامن ملك قشتالة
  • الرابع : يسير الي برشلونة

و لكن أُلِمَّ عبد المؤمن مرض مفاجئ، و تغيَّر المخطط المستقر بشكلٍ مفاجئ ، وأصبحت أفكار الموحدين مشتتةً وحزينة، حيث ترقَّبوا شفاءه بفارغ الصبر، ولكن المرض أضعف جسده ، حتى خطفه الموتُ بلا رحمةٍ في مساءِ الخميس العاشر من جمادى الآخرة عام 558 هجرية، وبهذا رحل الرجل الذي كان رمزاً للقوة والحكمة، وبقيت أثرُه وذكراه خالدة في نفوسِ من عرفوه، تاركاً ورائه ابنه يوسف ليتولى الحكم من بعده .


    اترك ردّاً