يزيد الثالث بن الوليد. كان خليفة أموي غير مستعد لتحمل الإهمال والتهاون في الحكم، بل والاستخفاف بحدود الله. إثر هذا، قام بتنظيم ثورة مكافحة الفساد بحزم ليضع حداً لهذه المشكلات. استعاد السلطة بالقوة، ما يعكس الجانب الحاسم من شخصيته.
جدول المحتويات
يزيد الثالث بن الوليد: الخليفة الأموي بين التراث العربي والفارسي والرومي والتركي
يُدعى الخليفة الأموي القرشي يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، الملقب بـ”الخليفة الناقص” نظرًا لمحاولته تقليد سلوك الخليفة عمر بن عبد العزيز، مما أدى إلى تخفيض رواتب الجيش. وُلد يزيد بن الوليد في العام الثمانين الهجري، ويُقال أنه كان أحد أنقى الملوك بالدم.
لقد احتشدت فيه الأصول من مختلف الأعراق؛ فأمه السيدة شاه افريد بنت فيروز، ابنة يزدجرد، وهو آخر ملوك الفرس، وهذا يعني أن أصوله تجمعت بين الدم العربي والفارسي والرومي والتركي. جده عن طريق والده كان عبد الملك بن مروان وهو من أصل عربي، في حين أن جده عن طريق والدته كان فيروز بن يزدجرد وهو من أصل فارسي. جدته عن طريق والدته كانت بنت القيصر الرومي، بينما كانت جدة جدته عن طريق والدته ابنة الخاقان التركي.
تجمعت في شخصية يزيد كل هذه الأعراق، وهو أمر نادر الحدوث، مما جعل يزيد بن الوليد يفتخر بذاته، فكان يقول: “أنا ابن كسرى وأبي مروان وجدي قيصر وجدي خاقان”.
بدنياً، كان يزيد بن الوليد أسمر اللون، طويل القامة ونحيف البنية، معتدل الجسم ووسيم الوجه الخال من العيوب، وكان معروفًا بالحكمة والعقل.
يزيد الثالث بن الوليد: الثورة، الإصلاح، والتحديات في زمن العباسيين
تمكّن يزيد الثالث بن الوليد من قيادة ثورة ضد ابن عمه، الوليد، فقتله واستولى على الخلافة. توجه بخطاب للناس لتبرير فعلته وللكشف عن منهجه وسياساته، والتي كانت تميل نحو الإصلاح والتقوى. لقد كان أول من خرج بالسلاح في العيدين، حيث خرج وسط صفين من الخيل المسلحة حتى وصل إلى مكان أداء صلاة عيد الأضحى.
بادر يزيد إلى تبني منهج جديد يقضي بأن كل منطقة من مناطق الدولة الإسلامية تستخدم الأموال التي تتجاوز حاجاتها في خدمة شؤونها الخاصة، بدلاً من إرسالها، بحيث يُمكن استخدام الأموال المتاحة لسد احتياجات المناطق المجاورة وليس فقط لملء خزائن الدولة.
أمر يزيد أيضًا بتقليل المغامرات العسكرية البعيدة التي تبقي الجنود بعيدين عن منازلهم لفترات طويلة، إذ كان يرفض أن يبقى الجنود بعيدين عن وطنهم لفترة طويلة. حاول أن يصلح ما فسده الخليفة الذي سبقه، وفي هذا السياق، قام بتعيين منصور بن جمهور على العراق، والذي كان من القدرية.
عندما دخل منصور العراق، أرسل أميره إلى خرسانة، ولكنه تم طرده من قبل نصر بن صيار، مما أدى إلى وقوع فتنة كبيرة في خرسانة، لم تنته هذه الفتنة واستمرت بشكل مكثف ومتواصل. للأسف، كان هناك خطر أكبر في عهد يزيد، وكان ذلك في تزايد نفوذ العباسيين.
سياسة يزيد الثالث بن الوليد: بين الإصلاح والتحديات
كانت سياسات يزيد الثالث بن الوليد تعتمد على الإصلاح والتقشف، وقد عمل على إبعاد بني أمية عن الرفاهية والأغاني والمعازف، وحاول ترميم ما تصدع في تقاليدهم. كان عادلاً، ويحب الخير ويكره الشر. قال في خطبته: “احذروا الغناء فإنه ينقص الحياء ويهدم المروءة وإنه يتيح المساحة للخمر ويولد تأثيرات مشابهة للمسكر”.
كما وعد أهل الجزية والشعوب المغلوبة في المشرق والمغرب بمعاملة منصفة، فقد كانت الظلم والضرائب الزائدة سببًا رئيسيًا في هجرة الناس وترك أراضيهم. لذلك وعد يزيد بالمعاملة العادلة التي ستحفزهم على خدمة أراضيهم ولن يضطروا إلى تركها والهجرة إلى المراكز الحضرية. ومن خلال هذا، كان يأمل في معالجة التفرقة التي كان الموالي المسلمين يشعرون بها، وكان يرغب في استعادة المساواة التي طبقها عمر بن عبد العزيز.
ومع ذلك، كانت هناك عقبة مهمة لم يتمكن يزيد من التغلب عليها، فالنظرية شيء والتطبيق العملي شيء آخر. لذا فقد فشل الخليفة يزيد في تحقيق وعوده للناس، وكان مضطرًا لإرضاء اليمنيين الذين ساعدوه في الوصول إلى الخلافة، وأنفق عليهم المال بشكل كبير.
ومع ذلك، هذه السياسة أفقرت بيت المال، وعندما كان المال في بيت المال على وشك النفاد، اضطر يزيد لتقليل رواتب الجنود، مما جعله يُلقب بالخليفة “الناقص”. كل هذه العوامل أدت إلى نشوب ثورات ضده، وظل يحاول خلال فترة خلافته القصيرة قمع هذه الثورات.
مراحل الحكم في عهد يزيد بن الوليد: بين التحديات الداخلية والصراعات الخارجية
شهدت الأوضاع العامة خلال عهد يزيد بن الوليد تقلبات هامة، مرت خلالها بمرحلتين رئيسيتين. الأولى، كانت تتعلق بمقتل الوليد، والردود الفعل التي تبعت ذلك الحادث المأساوي.
أما المرحلة الثانية، فقد شهدت تمرد العديد من الجهات بسبب التغييرات الإدارية التي طرأت على الحكم، والتي أسفرت عن تداعيات سلبية أثرت على الأوضاع الداخلية للدولة وعلى سير الحكم نفسه. كما أنه بدا واضحًا أن شخصية يزيد لم تكن تتمتع بتأييد كبير من قبل الأمويين، وبدا أن الكثير منهم لم يكن ينظرون إليه بنظرة إعجاب أو احترام.
أضافةً إلى ذلك، نشأت صراعات وثورات مختلفة، بما في ذلك الفتنة بين اليمن وقيس في خراسان وباقي المشرق واليمامة. وبين هذه الفرق الثنائية وقعت معارك استمرت لأيام طويلة تشبه بطابعها الأيام الجاهلية.
على الرغم من أنه حتى أهل فلسطين قاموا بحملة ضد يزيد، فقد تمكن يزيد من الدفاع عن نفسه بشكل فعال. لكن للأسف، تركت هذه الصراعات والثورات أثراً ضاراً، وأدت إلى وجود فجوة كبيرة داخل البيت الأموي.
التحولات الإدارية في عهد يزيد الثالث بن الوليد: تعيين منصور بن جمهور واليًا للعراق وخراسان
لذلك، فإن يزيد بن الوليد، فور توليه الحكم، بدأ بإجراء عملية تنظيف واسعة في الإدارة من خلال عزل الوالي الحاليين وتعيين البدائل في مكانهم. من بين هؤلاء الوالي الجديد، كان منصور بن جمهور، الذي تم تعيينه على العراق. كان منصور قد وقف بجانب يزيد عندما ثار ضد الوليد، وشارك حتى في قتله. بالإضافة إلى ذلك، منصور هو من قرأ إعلان الخلافة ليزيد بن الوليد أمام الجماهير، وبرر مقتل الوليد، وكان ذلك العمل هو الدافع الرئيسي وراء مبايعة الناس ليزيد.
لم يكن هذا الأمر فقط بسبب الوقوف الفعلي لمنصور إلى جانب يزيد، بل كان يشهد له الكثيرون بالشجاعة والمعرفة العسكرية، بالإضافة إلى حسن أخلاقه. لذلك، اختار يزيد بن الوليد منصور بن جمهور ليكون واليًا على العراق وخراسان.
صراعات الثأر والسلطة في عهد يزيد الثالث بن الوليد: قصة مروان بن محمد وعمر بن يزيد
في تلك السنة، قام مروان بن محمد، الذي أطلق عليه الناس لقب “الحمار” تقديرًا لشدة قوته وتحمله للمشقات، بكتابة رسالة لعمر بن يزيد، أخو الوليد، حثه فيها على القيام والمطالبة بثأر أخيه الوليد. كان مروان قد أعد جيشًا ضخمًا للقتال ضد يزيد، بهدف الانتقام للوليد، وكان قد اشتهر بقوته بين أمراء بني أمية.
بمجرد سماع هذا الخبر، بعث يزيد بن الوليد إلى مروان ثابت بن نعيمة. وعندما التقى الفريقان، تغلب مروان بن محمد على ثابت وأسره. بعد هذا النصر، ارتفع شأن مروان ومكانته، فكتب له يزيد أنه سيوليه الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان إذا بايعه. وقد قبل مروان العرض وظل هناك حتى مات يزيد. وعندما مرض يزيد بالطاعون، تنازل عن الخلافة لأخيه إبراهيم بن الوليد.
نهاية حكم يزيد بن الوليد ووفاته
دامت خلافة يزيد لمدة ستة أشهر فقط، وكان نقش خاتمه يحمل عبارة “العظمة لله”. يُشاد بيزيد كشخص صالح، وتشير المثل الشائع “الأشج والناقص أعدلا بني مروان” إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز كـ”الأشج”، وإلى يزيد بن الوليد كـ”الناقص”.
توفي يزيد بن الوليد في الخضراء في شهر ذي الحجة سنة 126 هـ، ودُفن عند باب الفراديس. أدي أخوه إبراهيم بن الوليد، الذي أصبح ولي العهد بعده، صلاة الجنازة عليه.
أهم المصادر
- يزيد الناقص ابو خالد بن الوليد عهد بني امية لجلال الدين السيوطي
- كتاب البداية والنهاية لابن كثير